ستظل قضية الأجور الأهم وفي معركة مع التضخم، على غرار لعبة القط والفأر والصراع بينهما، وإن كان قد اختفي هذا الصراع مع الصداقة التي نراها هذه الأيام بين كل القطط وكل الفئران، حتى بين الكلاب والقطط، وفي حالة من التعايش المقلق.
وعلى مدى 3 سنوات طبقت الحكومة 7 زيادات على الأجور، وآخرها ما قرره المجلس القومي للأجور بتحديد الحد الأدنى للأجور بـ 7000 جنيه اعتبارًا من 1 مارس 2025، بما في ذلك القطاع الخاص.
إلا أنه ورغم هذه الزيادات فالواقع يؤكد أنها لم ولن تعالج تدهور مستويات المعيشة بالشكل المأمول شعبياً ولا بالشكل الذي يأمله المسؤولون، بل لا تتناسب زيادة الحد الأدنى للأجور مع التضخم، خاصة أنها تنطبق على 10.6 مليون فرد فقط من سكان البلاد، والذين يمثلون أقل من 10% من إجمالي السكان.
هذا ما لفتت إليه دراسة مهمة أعدها مركز "حلول للسياسات البديلة" بالجامعة الأمريكية، وسيظل الحد الأدنى الجديد للأجور في مصر بعيدًا عن المستوى المطلوب لضمان مستوى معيشي لائق مع حياة كريمة.
والوضع مقلق جداً ويحتاج لمزيد من البحث والدراسة، فالفرق بين الحد الأدنى للأجور، بعيد عن الدخل الشهري المناسب لضمان حياة كريمة، والذي يتم تقديره في العام الماضي للمناطق الحضرية بما يقارب 12500 وتحديدا، "12448" جنيهًا شهريًّا، ومن هنا يظل الحد الأدنى الجديد للأجور، أبعد كثيرا عن الواقع المناسب.
والسؤال الذي تطرحه الدراسة، ويحتاج إلى إجابة من العاملين في مختلف المجالات والمستفيدين من الحد الأدنى الجديد للأجور،" هل هم في حالة أفضل أم أسوأ مما كانوا عليه قبل عقد من الزمن ؟.. أن سيظلون يكافحون لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
جزء من الإجابة يأتي من تآكل الأجور بسبب التضخم المتصاعد، وتقليل القوة الشرائية الحقيقية، بخلاف أن التضخم السنوي بلغ 23.95% أوائل 2025، بعد أن انخفض من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38% في سبتمبر 2023.
والواقع يؤكد أيضا أن كل هذا أدى إلى ارتفاع النفقات الأساسية، مثل: الغذاء، السكن، والنقل، وارتفع مؤشر أسعار المستهلك لعدد محدد من السلع، من 105.6 في يناير 2020 إلى 243.5 في يناير 2025. في المقابل، وارتفع مؤشر أسعار المستهلك من 2011 إلى 2016 فقط من 111 إلى 175.5.
والقضايا التي يجب مناقشتها بجدية، أن معظم العاملين لا يستفيدون من زيادات الحد الأدنى للأجور، بما في ذلك غالبية العاملين في القطاع الخاص، والعاملين بأجر سواء الطلاب والمتقاعدين، وأصحاب الأعمال الصغيرة، ومقدمي الرعاية المنزلية، والذين يقدر عددهم بما يقارب 29 مليون شخص.
قضية المعركة بين الأجور والتضخم، تحتاج إلى حلول شاملة، من خلال مراجعة دائمة الحد الأدنى للأجور بانتظام تراعي معدلات التضخم، مع ضرورة قيام الحكومة ببحث تطبيق سياسة "الدخل الأدنى المضمون" بالإضافة إلى الحد الأدنى العادل للأجور.
ومن أهم ما خرجت به الدراسة، أن يتم ذلك بتحديد المبلغ اللازم لضمان مستوى معيشي لائق، مع مراعاة القدرة على تحمل تكاليف، "الغذاء، السكن، والرعاية الصحية"، ويمكن تحقيق ذلك من خلال دراسة شاملة لنفقات الأسر، مثل استطلاعات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مع مراجعة المبلغ سنويًّا وتعديله وفقًا للتضخم.
والرد على صعوبة توفير التمويل اللازم، فالمسألة تحتاج إلى نظرة ضريبية، عن طريق اعتماد سياسات ضريبية تصاعدية وضريبة على الثروة، وإعادة النظر في العديد سياسات الحزم الاجتماعية التي تطلقها الحكومة من وقت إلى آخر، والوصول لأليات تلزم القطاعات الخاصة بتطبيق حقيقي للحد الأدنى للأجور.
وستظل لعبة القط والفأر بين الأجور والتضخم في صراع لا ينتهي، ما لم يتك بسياسات اقتصادية شاملة، قائمة على دراسات واستطلاعات تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الجمهور المتغيرة، وشمولية الإصلاح وتعزيز فرص العمل لزيادة دخل الأسر وليس الأفراد فقط.
-------------------------------
بقلم: محمود الحضري